الإثنين, مارس 24, 2025
الرئيسيةكتاباتهزائم وانتصارات الهدنة في غزة!

هزائم وانتصارات الهدنة في غزة!

 

 

د. عبدالخالق النقيب*
من كان يتصور أن تتحول الهدنة إلى مجموعة. من الهزائم والانتصارات وأن تتغير فيها المعادلات على هذا النحو ، لقد أخفقت محاولات الكيان الصهيوني الفاشلة في جمع شتات جيشه المهزوم ، وبدت غزة الجريحة كحائط صد لن يهزم، ولم يعد التهجير إلى سيناء والضفة والجولان وشمال الأردن متاحاً، تحولت الهدنة إلى أحداث دراماتيكية متغيرة تجاوز تحرير أسرى وأسيرات فلسطين، وتجاوز كذلك إعادة الروح في الأمة وإهانة الجيش الصهيوني، وأخذ منسوب الدعم الشعبي العالمي في الارتفاع لصالح المقاومة في غزة واليمن وهي تكرس سلاحها وإرادتها وتظفر بالمعركة عسكريا واقتصاديا وإنسانيا لتنتصر على أكثر من صعيد وتهزم العدو إلى عمق كيانه، ولم يعد هناك مجال للجحود بالمقاومة بعد أن تحولت إلى صد منيع تدافع عن العرب وتفشل مشاريع التطبيع وإعادة رسم مشروع الشرق الأوسط الجديد. فبعد هذه الحرب ستتولد القضية الفلسطينية كحقيقة لا يمكن تغييرها، وبدلاً من محو غزة كهدف معلن للحرب الإسرائيلية الأخيرة، أضحت رايات فلسطين ترفرف في كل العالم، وعلى الشاشات يظهر نتنياهو وكأنه آخر حاكم لدولة الاحتلال الإسرائيلي، ووفقاً لتعبير الصحفي الروسي سيرغي ماردان: بعد انتهاء الحرب الحالية، لن يكون “لإسرائيل” أي مستقبل، إنهر اللحظة التي سيتم فيها محو “إسرائيل” هذا المشروع الاستعماري لـ”القوى العظمى” من خريطة العالم هي مسألة وقت ليس ببعيد.
بالنسبة للحسابات الإنسانية والإخلاقية للهدنة بدت المقاومة وهي تخاطب ضمائر ومشاعر شعوب الأرض، واستطاعت أن تكون الحاضر الأقوى في الوعي الإنساني من خلال قدرتها في التعبير عن تمسكها بقضيتها وحقها النـضالي بعيدة عن الانهيار، وكان لها اليد الطولى في صمود الهدنة وهي تبدي قدرا عاليا من السيطرة، وتطهر من وسط ميدان المعركة في غزة وهي تجري عمليات تبادل وتحرير الأسرى تماماً كما تريده المقاومة، وفي اليمن تتحكم قوات الجيش هناك وتجعل مضيق باب المندب وممر البحر الأحمر خالياً من السفن الإسرائيلية لأول مرة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، وفي المقابل يفشل الإعلام الصهيوني في توظيف حادثة الاختطاف المفتعلة لسفينة إسرائيلية في خليج عدن، وتواصل المقاومة فضح المفارقات بين القرصنة والبطولة، وتقديم إشارة واضحة بين محاولة اختطاف سفينة للنهب وتهديد الملاحة، وبين عملية عسكرية بطولية تهدف لحماية الأمن القومي العربي وتسعى لإيقاف نزيف الدم وقتل الأبرياء في غزة.
في تاريخ الحروب لم يحدث قط أن يودع الأسرى آسريهم الذين يودعونهم بكل حب وامتنان، تكررت هذه الواقعة الإنسانية مراراً طيلة مدة الهدنة، وشاهد العالم إيماءات وابتسامات الأسرى الإسرائيليبن وهم يبادلون مقاتلي حماس مشاعر المودة وكأنهم يودعون رفاقهم لا أسريهم، حداً لم يعد بمقدور الأسرى الإسرائيليين إخقاء تصريحاتهم النبيلة وإيصال رسائل وأحاديث الصداقة التي بعثوا بها إلى رجال وجنرالات المقاومة كامتنان لمعاملتهم الإنسانية غير الطبيعية تجاه الأسرى، ستبقى تلك اللحظات في ذاكرة البشرية للأبد، وسنتذكر أن المقاومة قد منحت العالم صورة لائقة بأخلاق وذوات وقيم العرب والمسلمين كأمة حضارية إنسانية وأخلاقية، وكأن المقاومة كانت في سباق تاريخي وجاهزة لتقديم درس للعالم للتفريق بين شيئين المقاومة والإجرام، وأن بإمكانها تقديم تلك الانتصارات المعنوية، يعد كل العنف والقصف والدموية التي مارسها جيش الاحتلال الإسرائيلي وهو مستميت في إظهار نازيته الفاشية المفرطة بحق الطفولة والإنسانية ضد أبناء فلسطين، واستمر في ارتكاب جرائمه دون هواده إلى أن وصل إلى مرحلة الإنهاك، لقد أصبحت غزه عنوان لكل أحرار العالم بينما أصبح بايدن ونتناهو وغالانت وحلفائم أكثر حرجاْ ودموية، وكل العالم يشير نحو جيشهم “مجرم”، ويعلن تمسكه بدعم المقاومة التي هزمت الكيان الصهيوني أخلاقياً وانتصرت في معركة الوعي العالمي الشعبي مؤكداً تضامنه مع محور المقاومة كحركة تحربرية تطمح إلى تحرير كامل فلسطين.
▪️لماذا لا يجب أن يتوقف سلاح المقاطعة في الحرب الاقتصادية علي إسرائيل؟
مدة الهدنة في غزة على وشك الانتهاء، وربما يرتكب جيش الاحتلال الإسرائيلي حماقة الاستمرار في حربه الخاسرة ويعود جيشه المهزوم للقصف والإبادة التي لا يحتمل أحداً رؤيتها من جديد..!
الصمت على إسرائيل وهي تستنفذ أسلحتها المحرمة دولباً وضع سلطة القانون الدولي على المحك، ويدا عاجزاً عن إيقاف آلة الحرب الإسرائيلية حتى مع استمرار المظاهرات التي اجتاحت معظم دول العالم دون أن يحرك المجتمع الدولي ساكناً ، لقز تعرت القوى المتحكمة بالقرار الدولي، وظهرت أنها نفسها كانت جاهزة لدعم الكيان الصهيوني ضد أبناء الشعب الفلسطيني وتمرير ما يرتكبه من جرائم حرب وإبادة بصمت، فكان واضحاً أن الخلل الجوهري في المواقف الأوروبية والأمريكية ضد القانون الدولي والعرف الإنساني بلغ حداً يصعب تجاوزه، فقرر كثير من أحرار العالم إطلاق حملة الدعوة لمقاطعة الشركات والكيانات الاقتصادية التي تغذي اقتصاد الكيان الصهيوني
وعلى إثر ذلك التواطؤ ارتفعت حالة التأييد الشعبية الواسعة في أنحاء العالم، واعتلت الأصوات المنادية باستخدام سلاح المقاطعة لدفع الكيانات والشركات ذات الجنسيات الإسرائيلية إلى وقف الدعم لدولة الكيان الإسرائيلي والضغط عليها وإجيارها على وقف الحرب والحد من تداعيات الإبادة الإنسانية بحق أبناء غزة، وأخذت مظاهر المقاطعة تتحول إلى شبح يطارد كبريات الشركات المرتبطة باقتصاد الكيان الصهيوني ليس في الشرق الأوسط وحسب فقد تجاوز أوروبا ووصل إلى أمريكا عقر دار الدولة الممولة للحرب الإسرائيلية ، فاشتد أثرها إلى أن عمدت بعض العلامات التجارية لتعليق علم فلسطين أو إلزام عاملبها يارتداء الكاب الفلسطيني، وذهبت شركات أخرى متضررة إلى تيني منشورات داعمة للقضية للتخفيف من حدة انهيار المبيعات ، وتسعى لبذل المزيد من المحاولات التنكرية خوفاً من تكبدها خسارات أكبر قد تؤدي للإفلاس.
يبدوا أن سلاح المقاطعة ينحني منحناً جديداً في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، ففي خضم معركة الطوفان الأخيرة التي فجرها مقاومو غزة بوجه إسرائيل، تشكل وعي شعبي
عالمي،يأهمية سلاح المقاطعة، وعادت معها إلى الواجهة الدعوات التي اطلقها مؤسس حركة أنصار الله في اليمن السيد حسين الحوثي، منذ عقود لتبني سلاح مقاطعة البضائع الإسرائيلية الإمريكية وكأنه كان يقرأ الرواية من فصلها الأخير، وأن الصراع العربي الإسرائيلي كحرب وجودية هي ما دعته لتبني سلاح المقاطعة كموقف مبدئي وديني يقوم عليه تحديد موقف العداء نحو إسرائيل، وتحويله إلي عمل منظم وموقف دائماً وثابت لا يتغير ولا يتوقف بعدوان أو قترة معينة.
الأرقام الاقتصادية التي تخرج كل بضعة أيام تكشف حجم الخسائر الاقتصادية التي يتكبدها الكيان الصهيوني، وتعزز القناعة أن قوة سلاح المقاطعة يكمن في استمرارها في الحرب الاقتصادية على إسرائيل، كونه أحد الخيارات الشعبية المتاحة لجعل الاقتصاد الإسرائيلي هشاً وبالإمكان تعطيل دوره في تغذية جرائم الكيان، ولن يكون كذلك ويتحول إلي سلاح ضغط اقتصادي مؤثر يجبر حكومة الكيان الصهيوني على إيقاف عدوانها وجرائمها بحق أبناء فلسطين والعرب ، بل إن الأبعد من ذلك ما يراه خبراء الاقتصاد بأن سلاح المقاطعة وسيلة فعالة لتحقيق التغيير السياسي والاقتصادي وتأثيره في تمكين اقتصاد دول المنطقة من توطين منتجاتها المحلية، وهو بذلك ينتقل بسلاح المقاطعة من استخدامه كحملات مقاطعة مؤقتة إلى مرحلة جديدة نحو الاستغناء نهائيا عن المنتجات الإسرائيلية لمنع تغذية الجرائم الإسرائيلية في أي حرب قادمة.
*نقلا عن رأي اليوم

 

مقالات ذات صلة